الشبكة المدنية/ العين الإخبارية
منذ الانقلاب الحوثي آواخر 2014، ارتبط اسم “كتائب الموت” التي يديرها ويدربها ضباط إيرانيون في الظل باليمن كنموذج للمليشيات المتطرفة.
وتحولت فرق الموت هذه الخاضعة لقيادات من خارج سلالة الحوثيين ولها اعتقاداتها الخاصة، إلى أهم أذرع طهران ميدانيا وتعمل في منع انهيارات جبهات الانقلابيين وخوض المعارك المصيرية، كما حدث مؤخرا في مأرب شرقا.
وتتبع ما تسمى”كتائب الموت” عملياتيا وعقائديا للمدعو “عبدالله الرزامي” ويقودها نجله”يحيى”، وتتمتع بتدريبات عسكرية متفوقة عن كافة الفرق الحوثية بما فيها ما يسمى “الفرق الخاصة” التابعة لزعيم المليشيات، عبدالملك الحوثي.
وكل تلك الفرق تدخل في سياق تشابك وتداخل معقد لأذرع المليشيات ليسهل لطهران إدارتها وإطالة أمد الحرب وضرب جهود السلام ونسف أي تهدئة من الداخل.
وعاد دور وموقع فرق الموت هذه إلى واجهة المشهد عقب تضارب الأنباء بشأن مشاركتها في الهجوم البري على مأرب ومصرع قائدها المدعو “يحيى عبدالله الرزامي” وهو أحد القادة العسكرين الكبار وتمنحه المليشيات رتبة “لواء” ويكنى أبو عبدالله.
وقالت مصادر يمنية متطابقة لـ”العين الإخبارية”، إن “الرزامي” شارك بالفعل في هجوم مأرب لكنه فشل في تغيير معادلة القوة، كما كان مخطط له، وخسر مئات المقاتلين ممن قام بتدريبهم ضباط إيران لخوض المهمات الصعبة.
“الرزامي” ذاته ظل مصيره مجهولا لأكثر من أسبوعين وسط تكتم حوثي شديد خشية مقتله؛ إذ يرفض قادة الدائرة المغلقة للمليشيات المعنية برسم المشهد العسكري الإفصاح عن قتلاها وتعده خطراً على معنويات المسلحين.
ومع تعرض الرجل للإصابة مجددا عزلته المليشيا بعيدا عن الأنظار قبل أن يظهر في تسجيل حديث اليومين الماضين يؤكد نجاته وإفلاته من الموت، حيث سبق وأصيب مرتين، في حدود اليمن والسعودية 2015 ثم في نهم بصنعاء 2016، وخضع على إثرها لعناية طبية امتدت أكثر من عام ونصف.
خارطة التموضع وتاريخ الدم
خلال 6 أعوام من عمر الانقلاب، برز اسم “كتائب الموت” كرديف لفرق القتل الموغلة بالتطرف بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحضر لأحلك الظروف وللعمليات العسكرية البرية الانتحارية.
وفي سبيل ذلك، خاضت أبرز معارك التنكيل في دماج صعدة ضد السلفيين ومعارك “العصيمات” مع قبائل عمران 2015، وكذلك في 2017 لإخماد انتفاضة 2 ديسمبر/كانون الأول بقيادة نجل شقيق الرئيس السابق.
كما شاركت العام الماضي في معركة نهم ثم الأسابيع الماضية في هجوم انتحاري استهدف “صرواح” ومعسكر “كوفل” وجبال “البلق” المطل على “سد مأرب”، وكاد في هذا الأخيرة يسقط قتيلا على يد قوات الجيش اليمني وقبائل مأرب ومقاتلات التحالف، وفقا لمصادر عسكرية تحدثت لـ”العين الإخبارية”.
وكشفت المصادر أن المدعو “يحيى الرزامي” قاد أكثر من ألفي مسلح تقلهم 200 دورية عسكرية على الأقل، لإخماد انتفاضة صنعاء بقيادة العميد ركن طارق صالح والذي دعا لها الرئيس السابق أواخر 2017، وقد استنجد به زعيم المليشيات “عبدالملك الحوثي” بعد هزائم مدوية لقواته الخاصة رغم قلة الأعداد القتالية لصالح.
وعن تموضعها العسكري، علمت “العين الإخبارية” من مصادر قبلية أن مليشيات الحوثي سلمت قيادة ومسرح محور همدان في صعدة الممتد على جبهات الحدود الشمالية لليمن لـ”كتائب الموت” بقيادة “الرزامي” مع امتيازات لاتباعه لعملهم في الدفاع عن المعقل الأم للانقلابيين.
من يكون الرزامي؟
تكتسب هذه الكتائب الإرهابية نفوذها الفعلي من القيادي البارز “عبدالله الرزامي” وهو أكبر قيادي حوثي متطرف ينحدر من قبائل صعدة ولا ينتمي للأسر الهاشمية والتي تزعم أنها سلالة مقدسة.
يعتبر “الرزامي” من مؤسسي النواة الأولى للجماعة مع “حسين الحوثي”، ورفيق دراسته في مدينة قم الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، ورغم وصول الرجلين للبرلمان في أولى دوراته الانتخابيه بعد ذلك، اتجها للعمل المسلح لتحقيق مشروعهما المشترك المرسوم في طهران.
وعقب مصرع رفيقه “حسين الحوثي” 2004 بنيران الجيش اليمني، برز “عبدالله الرزامي” كرجل ثان في الجماعة وخليفة لقيادة المليشيات، حيث عمل على استقبال الهاربين من الموت في جبال “مران” وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي بهدف تجميع المقاتلين واستئناف جولة آخرى للحرب من مناطق أخرى.
وفيما كان “الرزامي” ينتظر البيعة من “عبدالملك الحوثي” واتباعه له كقائد للجماعة، بدأت العائلات التي تدعي انتسابها للهاشمية تتكتل لإنقاذ انهيار الحوثية، ولعبت أكبرها تلك التي كانت تخترق كل قطاعات الدولة ومؤسساتها من بينها اللواء “يحيى الشامي” المعين محافظاً لمحافظة صعدة من قبل النظام السابق.
وكشف تقرير لأجهزة الأمن اليمنية العلاقة السرية للواء “الشامي” بالحوثيين وعمله في تمكينهم من الإفلات أمام هجمات الجيش وإعادة بناء قواتهم في جبال صعدة تزامنا مع تحرك مماثل لشيطنة “الرزامي” وتوجيه الحملات العسكرية للقضاء عليه باعتباره هو القائد الفعلي للتمرد وذلك بهدف نجاة “عبدالملك الحوثي” من الملاحقة.
صراع زعامة وعقيدة
بعيدا عن حروب صعدة، ومرحلة تمكين “عبدالملك” برغبة إيرانية وبإسناد نظام الإمامة العميقة داخل مؤسسات الدولة، فقد توجه “الرزامي” لبناء قوة تابعة له أطلق عليها “كتائب الموت” بعقيدة طائفية متطرفة.
ولا يزال أتباع “الرزامي” يحتفظون بالاسم الأول للمليشيا “الشباب المؤمن”، ويرددون في خطابهم الطائفي لدى ذكر حسين الحوثي “فرج الله كربه وعجل بظهوره” ولا يترحمون عليه ويرفضون سماع ذلك في أوساطهم باعتباره مخلدا ولم يلقى مصرعه.
وغالبا ما تتقاطع العلاقة بين زعيمي المليشيات عبدالملك الحوثي وعبدالله الرزامي ووصلت ذروتها للمواجهات المسلحة لعدة مرات منذ الحروب الست التي انتهت 2009.
ويرفض مقاتلو “الرزامي” أنشطة قادة الحوثي غير المشروعة كتهريب المخدرات لتمويل الحرب، وبحسب مسؤول محلي في صعدة فقدأتلف الرزامي وفرق الموت نحو 6 شحنات مخدرات بين عامي 2011-2014 رافضا كل مبررات قيادات المليشيات.
وقال المسؤل المحلي لـ”العين الإخبارية”، إن ما أزاح مؤقتا شبح الصراع بين الفصيلين هو الانقلاب وانطلاق “عاصفة الحزم” والتي شكلت بداية مرحلة جديدة بين أتباع الرزامي والحوثي، حيث كان الأول ومعه كتائب الموت أكثر تعطشا لإشعال الحرب على الحدود مع السعودية.
وأضاف أن أتباع الرزامي أشعلوا حربا ضد أتباع عبدالملك الحوثي في 2016 عقب تهدئة مؤقتة قدمها التحالف العربي لإفساح المجال امام مفاوضات سلام وأن كتائب الموت رفضت الانصياع إلى قرار عبد الملك الحوثي واعتبرته غير ملزم لها.
وأدى ذلك في نهاية المطاف لنسف جهود التهدئة وإشعال الحرب مجددا، وقد سلم “الرزامي” نجله “يحيى” قيادة “كتائب الموت” فيما تحول هو إلى ما يشبه الأب الروحي ويعمل حتى اليوم على بناء أتباع جدد بنهج طائفي متطرف وبعقيدة تماثل إلى حد كبير تفرخ تنظيم داعش والقاعدة الإرهابيين، وفقا للمسؤول المحلي.