الشبكة المدنية/ الشرق الأوسط
يملك عدنان القرشي، وهو رجل أعمال يمني، مصنعين لإنتاج الأدوات المنزلية في منطقة بيت بوس جنوب صنعاء، ويملك «فيلا» وشقتين يركن أمامها أسطول من السيارات. كان ذلك قبل مايو (أيار) 2021، حين انقلبت حياته رأساً على عقب بسبب قيادي حوثي. وها هو يعيش الآن من دون شيء، هارباً خارج البلاد.
بين التهرب من دفع «المجهود الحربي» و«حيازة مخدرات»، ومن التخابر مع «الموساد» وإسرائيل إلى استصدار أوامر قضائية، وجد تجار يمنيون أنفسهم وأقاربهم إما في السجن أو في المهجر.
رغم تعدد أشكال مصادرة ممتلكاتهم، فإن النهب واحد. عدنان القرشي والتاجر محمد الحيفي الذي ابتزته الجماعة بمصادرة منزله بأنه يتخابر مع الموساد والاستخبارات الأميركية، كان حظهما أوفر من رجل الأعمال عبد الله القص، الذي أودع وأولاده السجن، بعدما صودرت قطعة أرض يملكها نظير رفضه الخضوع للابتزاز ودفع إتاوات تحت مسمى «المجهود الحربي».
عدنان والمشرف
بدأت قصة عدنان القرشي حين أقدم قيادي من الميليشيات الحوثي على إغلاق المصنعين واقتحام مسكنه والإقامة فيه، وتلفيق تهمة لثلاثة من أقاربه، وملاحقة الرابع بسبب تحركاته القانونية لفضح التهمة واستعادة الممتلكات.
في تلك الليلة فوجئ الرجل وأسرته بقيام القيادي الحوثي يحيى الشرفي الذي يشغل موقع مدير عام إدارة مكافحة المخدرات، بمداهمة المصنعين والمنزل بعد منتصف الليل ومن دون حضور مسؤول الحي أو شهود.
لم يكن يدرك القرشي أن الميليشيات قررت مصادرة ممتلكاته؛ لأنه ينافس تجاراً آخرين يستثمرون أموال قيادات في الميليشيات الحوثية؛ ولهذا لم يعرف أسباب المداهمة، ولم يتوقع أنه وأقاربه سيواجهون تهمة حيازة مخدرات، وهي التهمة التي لُفقت لهم لتنفيذ المهمة، وحين استفاقوا من الصدمة وجدوا القيادي الحوثي أغلق المصنعين ونهبهما واستولى على الفيلا وطرد الأسرة إلى الشارع، وشرع في التحقيق مع أفرادها بتلك التهمة.
رغم محاولة محامي رجل الأعمال الشكوى إلى النائب العام الحوثي ومطالبته بسحب ملف القضية إلى النيابة حتى لا يستمر القيادي الشرفي في مصادرة ممتلكاته والاستيلاء على منزله وإغلاق مصنعيه وتشريد نحو 300 عامل، فإن هذه المحاولة باءت بالفشل.
توجه رجل الأعمال ومحاميه أملاً في إنصافه إلى القيادي الحوثي عبد الكريم الحوثي الذي يدير وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، وجناحاً أمنياً يتبع الميليشيات. افترض عبثاً بأن عملية النهب حدثت من دون علمه، لكنه لم يلق استجابة، بل تطور الأمر لدى القيادي الحوثي وبدأ يلاحق رابع أفراد الأسرة بعدما لفق التهمة لثلاثة منهم ما زالوا رهن الاعتقال حتى اليوم.
وتقول مصادر مقربة من رجل الأعمال، إنهم اعتقلوا زوجته، ثم أطلقوا سراحها لاحقاً، ثم لفقوا تهماً لثلاثة من أصهاره واعتقلوهم، والآن يلاحقون الرابع، في حين تبين الشكوى التي رُفعت إلى وزارة داخلية الميليشيات، أن القيادي الحوثي أقدم على هذه الفعلة خدمة لتجار ينافسون القرشي، ويريدون إغلاق مصنعي الأدوات المنزلية، بعدما لاحظوا نجاحهما في السوق، حيث قام الشرفي وأربعة من مرافقيه عند الساعة الثانية فجراً باقتحام فيلا وشقق ومخازن التاجر القرشي ونهبوها بما فيها الأدوات المنزلية التي كانت في مخازن المصنعين، وقاموا ببيعها لتجار التجزئة.
وبحسب الشكوى التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، نهبت عناصر الميليشيات سبع سيارات، ومائة ألف دولار، و200 ألف ريال سعودي (نقداً) كانت في المنزل عند مداهمته، كما نهبوا مجوهرات نسائية تقدر قيمتها بنحو 19 مليون ريال يمني (سعر الدولار في صنعاء يتجاوز 600 ريال يمني) بعدما طردوا أسرة رجل الأعمال من الفيلا التي تسكن فيها.
كما هاجم القيادي الحوثي منزلاً آخر في مديرية سنحان، كان قد باعه القرشي، وطرد العائلة التي اشترته، في حين يقول مقربون من أسرة رجل الأعمال، إنه فر إلى خارج البلاد؛ لأنه إلى جانب نهب ممتلكاته، كانت تستميت عناصر الميليشيات لاعتقاله.
«المجهود الابتزازي»
رغم تعدد الجبايات التي تفرضها ميليشيات الحوثي على التجار والباعة، فإن عصا المجهود الحربي هي الأكثر إرهاباً لهم ووسيلة لمصادرة ممتلكاتهم، وكان قرار قيادة ميليشيات الحوثي بتغيير محرري وثائق البيع والشراء والتلاعب بسجل الأراضي الأساس في ملاحقة التجار الذين يرفضون الخضوع لمطالب دعم جبهات القتال.
رجل الأعمال المعروف عبد الله القص، وهو من أبرز التجار في البلاد كان أحد ضحايا ابتزاز ميليشيات الحوثي حين أقدمت على نهب أرضية يمتلكها، قبل أن تزج به وأولاده السجن، عندما رفض الخضوع للابتزاز ودفع إتاوات تحت مسمى «المجهود الحربي»، وظهر في مقطع مصور يتحدث عما تعرّض له من تنكيل من قبل أحد قيادات الميليشيات الحوثية يدعى عبد الله عامر، وإيداعه السجن مع عدد من أولاده وإخوته دون أي مسوغ قانوني، بسبب تقديمه شكوى ضد اعتداء عناصر الميليشيات على أرض يملكها، في موقف أظهر لليمنيين جانبا من التنكيل الذي يتعرض له التجار في مناطق سيطرة الميليشيات.
وأشارت مصادر قضائية إلى اعتقال الميليشيات رجل الأعمال القص على خلفية نزاع على أراضٍ يعتقد أنها مملوكة للأوقاف ومؤجّرة له منذ فترة طويلة، إلا أن اللجنة التي أسسها محمد علي الحوثي باسم المنظومة العدلية أقدمت على التلاعب بسجلات الأراضي، سواء تلك الخاصة بالأوقاف أو المملوكة للدولة وقامت بانتزاع ملكية أراضٍ شاسعة في صنعاء لصالح قادة الميليشيات، من بينها ادعاء ملكية أراض بُنيت عليها مساكن منذ عشرات السنين.
الميليشيات اقتحمت الأرض المؤجرة للتاجر القص وهدّت جزءاً من سورها؛ تمهيداً لإنشاء مبنى تابع للأوقاف دون إشعار المستأجر، الذي تقدم بدوره بشكوى خطية إلى مكتب الأوقاف بصنعاء، لكن من يدير المكتب هو الحوثي عبد الله عامر نفسه؛ وهو ما جعله يرد على الشكوى بأمر بإيداع المستأجر سجناً خاصاً بمكتب الأوقاف.
ما حدث للقص نموذج لما يعانيه المئات من رجال الأعمال في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين من جرائم سلب ونهب وتنكيل، رغم كل ما قدموه تحت الابتزاز والتهديد من دعم مادي للميليشيا تحت مسمى «المجهود الحربي»، وفرض جبايات وإتاوات غير رسمية. وذلك لم يكن سلوكاً فردياً لعدد من قيادات الميليشيات «بل عمل ممنهج ومنظم تتعمد الميليشيا القيام به» وفق ما تؤكده الحكومة الشرعية.
منزلك أو الموساد؟
تقدم قصة رجل الأعمال محمد الحيفي نموذجاً آخر للابتزاز الذي يتعرض له التجار في مناطق الميليشيات، وكيف وصل خيال الاتهامات إلى «التخابر مع إسرائيل»، وهي أسهل طريقة للمشرفين الذين أطلق زعيم الميليشيات أيديهم لنهب ممتلكات اليمنيين لمصادرة الممتلكات والاعتقال.
استولى أحد المشرفين الحوثيين، الذين يتّبعون مباشرة زعيم الميليشيات ويتمتعون بحصانة من أي ملاحقة، على منزل الحيفي، كما استُصدرت أوامر قضائية بنهب كل ممتلكاته في صنعاء، بعدما وُجّهت له تهم ملفقة، بينها العمل لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
الحيفي الذي ظل لسنوات يحاول إقناع الميليشيات بإعادة ممتلكاته، رفض الاستسلام للقمع الذي مورس عليه وظهر في تسجيل مصور أكد فيه، أن قيادات حوثية سطت على منزله وتمارس ضغوطاً عليه لإجباره على التنازل عن ممتلكاته وشركاته. وطالب زعيم الميليشيات عبد الملك الحوثي، بوقف عصاباته عن ممارسات السطو على ممتلكاته.
رجل الأعمال في التسجيل المصور ذكر، أن القيادات الحوثية وجّهت له عدداً من التهم، منها أنه هارب خارج اليمن رغم أنه موجود في صنعاء، ثم وجهوا له تهمة بأن منزله الذي استولوا عليه تابع لنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، ثم عادوا ليقولوا إنه كان مسكناً للسفير الأميركي، وردّ بأن كل ما أورده الحوثيون أكاذيب. وبعد فشل تلك الاتهامات زعمت الميليشيات أنه «جاسوس وعميل لأميركا ومع الشرعية والتحالف الداعم لها».
محامي رجل الأعمال الحيفي، عبد الباسط غازي، نشر وثيقة موجهة من النيابة الجزائية الحوثية المتخصصة إلى رئيس وحدة جمع المعلومات بالبنك المركزي، تنص على «الحجز التحفظي على أموال وممتلكات المتهم، المنسوب له تهمة المساس باستقلال الجمهورية اليمنية والتخابر مع الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأميركية».
وقال المحامي، إن الحوثيين استولوا على منزل الحيفي، عقب سيطرتهم على صنعاء بدعوى أنه ملك للسفير الأميركي، وبعد معركة قضائية طويلة و«إبراز وثائق المِلْكية وتأكدهم أنه مملوك له، وجّه رئيس المحكمة التي تديرها الميليشيات أمراً إلى القيادي الحوثي المكلف مصادرة ممتلكات المعارضين من تجار وسياسيين تحت صفة الحارس القضائي بإخلاء البيت وتسليمه لمالكه».
لكن مندوب الحارس القضائي خرج من المنزل وأدخل مسلحين آخرين بقيادة حوثي آخر يُدعى أمين جسار. ومع أن الحيفي حضر «عدة جلسات أمام المحكمة لمتابعة قضيته، وبعد تعيين حارس قضائي جديد جاءت المفاجأة بصدور قرار برفض التظلم، فقامت النيابة بإيقاع الحجز التحفظي على بقية الممتلكات».
وقال المحامي، إن «الإجراء الحوثي يعني أن عليك تسليم بيتك لأنها جَميلة (بمعنى إسداء المعروف) أو أنت مع الموساد».