الشبكة المدنية/ العين الإخبارية
طرق وعرة يضطر يمنيون لسلكها في مسارات بديلة عن أخرى يغلقها الحوثي بين ميناء عدن وصنعاء، لكنها باتت شبيهة بـ”ممرات الموت”.
وعادة ما توصف هذه الطرق الجبلية بالوعرة وتكون غير آمنة، إذ تعبر الشاحنات في منحدرات شديدة الصعوبة وغير معبدة، ما يتسبب بوقوع العديد من الحوادث المميتة، فضلا عن خسائر بشرية وأخرى مادية تقدر بمئات الملايين من الريالات.
وتستهدف مليشيات الحوثي من هذا القطع المتعمد فرض حصار داخلي لأغراض سياسية عبر مفاقمة الأزمة الإنسانية لاستثمارها بالمحافل الدولية، فضلا عن مكاسب اقتصادية عبر إجبار رجال الأعمال وكبار المستوردين على العودة للاستيراد عبر ميناء الحديدة (غرب) الخاضع لسيطرتها وجني المزيد من الأموال لخزينتها الحربية.
طريق لحج.. منحدر الموت
بشكل يومي، يصور هواة مشاهد مأساوية، أحدها تظهر انقلاب 3 شاحنات محملة بالبضائع، في منحدر بات يعرف بـ”منحدر الموت” أو “مقبرة الشاحنات”، في طريق بديل اتخذها السائقون باعتبارها الخط الوحيد الذي يربط جنوب اليمن المحرر بالشمال الخاضع غالبيته للانقلابيين.
ويعرف هذا الممر الذي أصبح شريانا أساسيا للحياة رغم خطورته بـ”طريق القبيطة”، ويربط ميناء عدن في العاصمة المؤقتة مرروا بمحافطة لحج- ظمران- تعز- وصولا إلى صنعاء العاصمة المختطفة من قبل الحوثيين.
وفي مقطع مصور، ظهر مواطنون وهم يرددون الأدعية لحظة عبور شاحنة من انحدار شديد لطريق غير معبد في القبيطة والذي لم يكن يوما مخصصا لعبور شاحنات النقل الثقيلة، قبل أن تنقلب الشاحنة بجانب اثنتين سبقتاها إلى المصير الأليم.
وتتراوح حصيلة حوادث انقلاب الشاحنات في طريق “القبيطة” لا سيما جبل “مكيحيل” بمحافظة لحج (جنوب)، ما بين 2 و3 حوادث يوميا، فيما وصل عددها إلى 5 شاحنات خلال ثلاثة أيام، لكن الرقم يقفز إلى 120 حادثا من هذا النوع منذ مطلع العام الحالي، وفقا لتقديرات غير رسمية لممر واحد فقط.
ويؤدي انقلاب الشاحنات في هذا الممر الذي تعبره يوميا نحو 300 شاحنة لنقل البضائع، إلى توقف حركة السير، فيما تعلق الشاحنات والمركبات الخاصة بالمسافرين لساعات.
ونظرا لضيق مساحة الطريق وازدحامها الشديد، فإن ذلك يجعل من وصول الرافعات لإزاحة الشاحنات المقلوبة وفتح الطريق مجددا أمام حركة السير أكثر صعوبة.
ويحتوي نقيل “مكيحل” على منعطف خطير، إذ إنه لم يحتسب عبور القاطرات والناقلات الكبيرة عند شق الطريق، بل كان طريقا ثانويا مخصصا لعبور السيارات الصغيرة قبل أن يتحول إلى خط عبور رئيسي، إن لم يكن الخط الوحيد الذي يربط الشمال بجنوب البلاد، بعدما أغلقت مليشيات الحوثي كل خطوط النقل الرئيسية.
ويقول الناشط المجتمعي في لحج علي منصر القباطي، إن قيام مليشيات الحوثي بإغلاق الطرق الرئيسية الرابطة بين ميناء عدن والعاصمة صنعاء، دفع سائقي النقل إلى اتخاذ “طريق القبيطة” كبديل، لكن أغلبها ترابية وضيقة لا تتسع لعبور الشاحنات ذات الأحمال الثقيلة.
ويضيف القباطي وهو أحد أبناء تلك المنطقة أيضا، لـ”العين الإخبارية”، أن الطريق تشوبه عيوب كثيرة من بينها وجود منحدر كبير جدا، يجعل من الصعب على شاحنات نقل البضائع عبوره، إذ إن الانحناء الشديد يؤدي إلى انقلابها.
ويؤكد حاجة ذلك الطريق إلى توسعة في بعض الأماكن والمنحنيات الخطيرة، وردم بعض الحفر التي أحدثتها السيول.
مقبرة الشاحنات
عدد من الشاحنات تظهر وهي مقلوبة بعد أن خرجت عن الطريق بعدة أمتار كما لو أنها علب من الكبريت، فيما توزعت البضائع المتناثرة على جنباتها وأسفل منها وتفرقت على بعد أمتار.
وتأتي تلك الحوادث بعدما أغلقت مليشيات الحوثي الخطوط الرابطة بين ميناء عدن وصولا إلى صنعاء، ومنها طريق الضالع – إب، وطريق يافع – البيضاء، وطريق تعز- الحديدة عبر سقم.
كما أغلقت آخر تلك الطرق، وهي الجراحي- إب، فيما أغلقت قبل سنوات طريقا حيويا كان يشكل قناة إمداد رئيسية تسلكها مئات الشاحنات المحملة بالبضائع إلى صنعاء يوميا وهي طريق عدن- كرش- تعز- صنعاء.
ويهدف الحصار الحوثي الذي تسبب بمعاناة كبيرة للمسافرين وتجار الاستيراد إلى إجبار رجال الأعمال وكبار المستوردين على استخدام ميناء الحديدة الواقع تحت سيطرتها عوضا عن ميناء عدن.
ويرى سائقو الشاحنات أن غياب الجهات الرسمية التي يفترض أن تعمل على تسوية تلك الطرق، ساهم في زيادة معاناتهم، لا سيما الذين ينقلون البضائع بالأجرة، أي أنهم لا يتبعون الشركات التجارية والبعض منهم خسر شاحنته التي كانت تعد مصدر رزقه الوحيد.
خسائر ومعاناة
تقدر الخسائر المالية خلال هذا الشهر بمئات الملايين من الريالات، بحسب القباطي، لا سيما أن كثيرا من البضائع أتلفت تماما جراء تلك الحوادث التي أزهقت فيها أرواح، فيما تعرضت شاحنات النقل لأضرار كبيرة.
أما الشركات التجارية فإنها تتكبد خسائر مالية كبيرة، فضلا عن أن مليشيات الحوثي في مناطق سيطرتها، تفرض جبايات مالية تزيد من تلك الأعباء.
وخلال السنوات التي أعقبت انقلاب الحوثي على السلطة أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2014، شكّل إغلاق الطرقات إحدى أهم الجرائم التي ارتكبتها المليشيات المدعومة من إيران.
ودفع ذلك الإجرام المدنيين إلى اتباع طرق وعرة وبعيدة وذات تكاليف مرتفعة فضلا عن زيادة المخاطر في ولوجها، نظرا لوعورتها وكونها غير مؤهلة للاستخدام.
وشهدت تلك الطرق خصوصا في محافظة تعز، أكثر المحافظات اليمنية التي عانت من ذلك، وفاة بعض المرضى قبل وصولهم إلى المؤسسات الطبية، فضلا عن الحوادث المميتة جراء انقلاب مركبات النقل.
ووقعت أسوأ الحوادث في تلك المحافظة التي تحاصرها مليشيات الحوثي من ثلاثة منافذ، فضلا عن إمطارها بآلاف القذائف، باعتماد السكان على طريق “هيجة العبد”، كممر وحيد وخطر لملايين السكان، ومؤخرا تدخل مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية في مهمة تأهيله.